متابعتي لفيلم Life in a Metro
أكدّت لي أن نمط سينما بوليود التي هي عليه اليوم ومنذ ظهورها، هو اختيار
مقصود، وأن نمط الأفلام الأمريكية ليس ببعيد عن صناع السينما بالهند.
Life in a Metro
هو فيلم هندي في قالب شبه أمريكي محافظ على روح بوليود، فالتوابل
البوليودية المعتادة بالأفلام الهندية قليلة جدا في هذا الفيلم، وإن وجدت
فقد طرأ عليها تغيير، وإن صح التعبير طرأت عليها عملية عقلنة، وعموما كل
شيء بالفيلم خضع لعملية العقلنة، بدءا من القصة والأحداث، حيث تغيب
المبالغات والمواقف العاطفية غير الطبيعية والتي لا يمكن حدوثها في الواقع،
ويمكن أن أقول بأن فيلم Life in a Metro
واقعي بمعني أن كل شخصياته موجودة في حياتنا، ويمكن أن أكون أنا وأنت وهو
وهي من ضمن تلك الشخصيات، لأنها عادية، فأبطال الفيلم ليسوا خارقين وأقوياء
وناجحين ومتفوقين ومتميزين وشديدي التخلق والاستقامة، مشاكلهم طبيعية
وحياتية يومية، لا تتعلق بأمن الدولة، أو بقضايا عظيمة تؤثر على حياة
المدينة أو على الهند كلها كما في الكثير من أفلام بوليود.
Life in a Metro لمخرجه (Anurag Basu)
هو فيلم عن العلاقات، عن الحب وافتقاده في حياتنا، عن الحاجة إلى العطف
وإلى من يحضننا، عن اختياراتنا السليمة والخاطئة في الحب، عن الفرص الضائعة
في الحب والحياة، هو فيلم عن الخيانة، عن المرأة والرجل، عن خيانة كل واحد
منهما، هو فيلم يبحث عن الحب في مدينة مومباي، وفي محطة الميترو، هو يرصد
حياة المحبين المنتظرين على كراسي المحطة ويتتبعها. وهكذا يبدأ الفيلم
يترصد حياة راؤول (Sharman Joshi) الموظف الطموح الذي يسكن بشقة عمه المهاجر، وبسرعة نتعرف من خلال سرد راؤول لحياته على بعض شخصيات الفيلم الأخرى، كمديره رانجيت (Kay Kay Menon) الذي يستعير منه دائما شقته لقضاء متعة مسروقة مع سكرتيرته نيها (Kangana Renaut).
راؤول
عاشق لـ (نيها)، ولا يعلم بأنها هي صديقة مديره الذي يستعير مفتاح الشقة
من أجلها، ولا يعرف ذلك إلا بعد أن تنسى نيها هاتفها النقال في منزل راؤول.
شيكا (Shilpa Shetty) هي زوجة المدير رانجيت، كانت راقصة استعراضية ناجحة واعتزلت من أجل زوجها وابنتهما الصغيرة.
المتابع
للفيلم، يلاحظ المساحة الكبيرة التي حضت بها الممثلة (شيلبا شيتي) في
الفيلم، والتي تقوم بدور شيكا الزوجة المفتقدة للحب في حياتها الزوجية،
ولكن مع ذلك الفيلم لا يحتوي على بطولة مطلقة، بل هو بطولة جماعية رائعة
حيث توزعت الأدوار بطريقة جميلة تعطي كل ممثل حقه، وتمكن المشاهد من تتبع
كل شخصية خلال رحلة بحثها عن الحب. وتنتقل المشاهد واللقطات بين كل شخصيات
الفيلم بطريقة غير مملة، بل ممتعة لا تجعلك تنسى شخصية على حساب أخرى،
وتمكنك من تكوين نظرة شاملة عن الجميع ومن تتبعهم.
الميترو
في الفيلم، هو رمز للانتظار، انتظار الحب والحبيب المتوقع، فأحداث الفيلم
تدور أغلبها بعيدا عن الميترو، وليس كما يبدو من العنوان لأول مرة، حيث
توجد فعلا أفلام يكون عنوانها كما مضمونها مركزا على مكان واحد.
في بداية الفيلم تظهر محطة الميترو، وكذلك خلال سير أحداث الفيلم حينما يستقل أحيانا الأبطال القطار للتنقل، وفي آخر الفيلم طبعا.
في أول الفيلم، تظهر شيكا في محطة القطار مع شيفاني (Nafisa Ali)،
والتي تنتظر حبيبها القديم الذي تركها وسافر ولم تتمكن من الزواج به، عاد
إليها بعدما كانت قد تزوجت وترملت وتركها أولادها للتفرغ لحياتهم، يعود
حبيب شيفاني القديم، حيث ينزل أمول (Dharmendra)
من القطار في الرصيف المقابل لها، ويقطع بسرعة إلى حيث توجد هي، ويخبرها
بأنه كان في الرصيف الخطأ، كدلالة على أن كل سنوات حياته التي عاشها بدونها
كانت اختيارا خاطئا.
شخصية أخرى رئيسية بالفيلم لم نتطرق لها بعد، شروتي (Konkona Sen Sharma)
الفتاة الهندية التقليدية، التي تعمل مذيعة بإذاعة محلية، وتحب زميلها في
العمل وتتمنى الزواج منه، ولأنه واقع في ورطة بسبب إصرار والدته على
تزويجه، كونه مثلي جنسيا ومرتبط بعلاقة مع صديقه ومسؤوله بالعمل، بسبب ذلك،
وجد شروتي أمامه كأحسن حل لتطبيق رغبة والدته، لكن خطته لم تكتمل، لأن
شروتي اكتشفت علاقته المثلية مع صديقه عندما دخلت عليهما غرفة النوم
ووجدتهما على نفس السرير شبه عاريين.
بعد هذه الصدمة، أخذت شروتي تنتبه قليلا إلى مونتي (Irfan Khan)
العاشق السابق لها، والذي رفضته ورفضت الزواج منه لأنها لا تحبه، بدأت
شروتي تقترب منه شيئا فشيئا، وأصبح صديقا مقربا لها، لكن بعد فوات الأوان،
وبعد أن قرر الزواج من فتاة أخرى اختارتها أمه له.
يزداد
قرب شروتي من مونتي وتتغير مشاعرها نحوه، عندما يساعدها في الحصول على
وظيفة عمل جديدة بنفس مكان عمله، وتساعده هي في اختيار ثياب ومستلزمات
الزفاف، يصارح كل منهما الآخر، ولا يبقى إلا الاعتراف بالحب.
قبل
الوصول إلى نهاية قصة شروتي ومونتي، تكون شيكا قد قطعت شوطا كبيرا في
عملية بحثها عن الحب، عملية بحث تلقائية لم تكن تقصدها، بل كانت مفروضة
عليها جراء عطشها العاطفي وجفاء زوجها معها وخيانته لها، تتعرف شيكا على
أكاش (Shiney Ahuja)،
وتتكرر لقاءاتهما دون الوصول إلى مرحلة الصراحة في الاتفاق على طبيعة
العلاقة، لكن بعد اكتشافها لخيانة زوجها لها، تجد شيكا نفسها تتمادى في
مشاعرها نحو أكاش، حيث تذهب معه لمنزله وتكون على وشك بدء علاقة جسدية معه،
لولا أن أحد أصدقاء أكاش طرق الباب ودخل، فتخرج شيكا من النافذة باكية
ونادمة على ما كانت ستفعل، يلحق بها أكاش في الطريق ويحاول إرجاعها معه،
ويصرح لها بحبه، لكنها تستمر في البكاء وتستقل بسرعة سيارة أجرة عائدة
لمنزلها.
وعندما
عاد زوجها رانجيت إلى المنزل ووجدها على تلك الحال، منهارة تماما ومستمرة
في البكاء، ظن أن صديقتها شروتي أخبرتها بشأن خيانته لها مع نيها، فاعترف
لها بالخيانة، وطلب العفو منها، لكن طلبه للعفو تحول إلى لوم لها وغضب
عليها لما اعترفت هي الأخرى بخيانتها له، تحول من موقف استجداء السماح
والاعتذار إلى مشكك في نسب ابنته له ومحتقر لزوجته، رغم تأكيد شيكا له بأن
خيانتها لم تصل لحد العلاقة الجسدية.
بالفيلم
إشارة واضحة ومباشرة إلى طريقة التفكير الذكورية التقليدية للرجل
بالمجتمعات الشرقية، حتى وإن كان بمدينة حضرية ويعيش حياة عصرية، طريقة
تفكير لا تساوي بين خطأ المرأة وخطأ الرجل، تقاليد راسخة في ذهن الأجيال
تورثها لبعضها البعض، تغفر للرجل ما لا تغفر للمرأة، وتقبل منه ما لا تقبل
منها، بالفيلم إشارة أيضا للطهارة بالمفهوم الشرقي، الطهارة التي تتعلق
بالمرأة فقط وبجسدها، أما الرجل فهو طاهر دائما مهما خان زوجته وتعددت
علاقاته. كما كانت هناك مساحة صغيرة للحديث عن فقدان العذرية قبل الزواج
عندما طرحت شروتي هذا السؤال على شيكا طالبة منها النصح.
بعد
اعتراف شيكا، يهملها زوجها رانجيت، ويقرر مواصلة علاقته مع نيها، والتي
كان قد تشاجر معها (نيها) من قبل وعنفها لأنها أخبرته بمللها من لعب دور
العاهرة معه، وبأنها تبحث عن رجل يحبها، نيها بعدما يئست من نيل الحب مع
رانجيت، تحاول الانتحار بشرب محلول تنظيف سام، ينقدها راؤول الذي وجدها
فاقدة للوعي ومستلقية في شقته، فعملية الانتحار قامت بها مباشرة بعد
إنهاءها لعلاقة جسدية مع مديرها.
بعد
شفاء نيها، يدور نقاش بينها وبين راؤول، يتهم كل منهما الآخر بحب المال
وبالشخصية الوصولية، يدافع كل منهما عن نفسه، نيها تقول بأنها حاولت
الانتحار بسبب عدم وجود الحب في حياتها، رغم أن علاقتها الجسدية مع مديرها
وفرت لها المال والوظيفة والترقية، راؤول أخذها إلى قطعة أرض شبه مبنية
كانت لوالده المتوفى، والذي كان يحلم ببناء مطعم عليها، أخبر راؤول نيها
بأنه يستطيع بيع قطعة الأرض تلك، والتصرف في المال بما يضمن له حياة
مناسبة، لكنه يفضل تحقيق حلم والده والوفاء لذكراه.
الحب هو المحرك لشخصيات الفيلم، سواء وجود الحب أو غيابه، هو السبب في المواقف والاختيارات التي اتخذتها شخصيات الفيلم.
يقترب
الفيلم من النهاية، تتوفى شيفاني تاركة حبيبها أمول وحيدا بعدما عاد من
الغربة لأجلها وفي سنوات شيخوختهما لم يحظى معها إلا ببضعة أيام، سرقها
المرض منه، وهي أصلا كانت قد طلبت عودته بسبب علمها بقرب أجلها، وفاة
شيفاني ونصيحة أمول لشيكا وشروتي كانت محركا قويا لهما للتفكير مليا في عدم
تفويت فرص الحب المناسبة في الحياة، وعدم تكرار تجربة شيفاني وأمول.
وضعية
أبطال الفيلم الآن هي كالتالي: شيكا مهملة من طرف زوجها رانجيت، وحبيبها
أكاش سيسافر إلى دبي بعدما يئس من نيل حبها، شروتي حائرة بسبب زفاف مونتي
(الرجل الذي تحبه ويحبها) من امرأة أخرى، نيها تستأنف علاقتها مع رانجيت،
راؤول يحصل على ترقيته المنتظرة لكنه غير راض على استمرار علاقة نيها
ورانجيت، يقرر عدم تسليمه مفاتيح شقة عمه ما دامت نيها هي التي ستكون
بالشقة معه، أثناء ركوبها مع رانجيت بالسيارة متجهة نحو الفندق لممارسة
العلاقة المعتادة، تعرف نيها بقرار راؤول، فتنزل بسرعة من السيارة وتتجه
نحو محطة الميترو حيث كان راؤول سيغادر، وفي نفس الوقت تكون شروتي قد لحقت
بموكب زفاف مونتي، وتخبره بحبها له وهو جالس فوق الحصان المخصص لمراسيم
العرس، وتتركه مباشرة بعد عدم تجاوبه معها وتستقل سيارة أجرة نحو محطة
القطار، يحلقها مونتي بحصان العرس، يحاول الحصان جاهدا اللحاق بسيارة
الأجرة وسط ذهول الناس لمنظر حصان العرس والعريس، وكذلك وفي هذه الأثناء،
تستلم شيكا رسالة أكاش يعلمها فيها بسفره إلى دبي وانتظاره لها في المحطة،
تهم بالخروج فتجد زوجها رانجيت واقفا في الخارج أمام باب المنزل يبكي،
ملابسه ممزقة ووجهه مجروح، حيث كان قد تشاجر مع أحد السائقين في الطريق فور
نزول نيها وهروبها لحاقا براؤول، منظر رانجيت الزوج الخائن وغير المنصف
وهو يبكي، جعلني أتوقع كيف سيكون موقف شيكا حتى وإن لحقت بأكاش وذهبت
للميترو، وفعلا وبعدما يئس أكاش بالمحطة من حضور شيكا، تظهر فجأة وملامح
وجهها تقول لنا وله "لن أذهب لأني امرأة متزوجة وأم، والزوجة والأم في
الأفلام الهندية مقدسة، والأم أكثر قداسة، بل هي بمرتبة الآلهة الهندية".
و
فعلا، الأم لا تكون أبدا خائنة في الفيلم الهندي، رابطة الزواج مقدسة جدا
وكذلك الأسرة، ويحرص صناع السينما في بوليود على هذه النظرة، وهو ما حصل في
هذا الفيلم الذي كتب قصته المخرج نفسه (Anurag Basu)، وأنتجه (Ronnie Screwvala) سنة 2007.
خلال
الفيلم، كان هناك تصريح واضح من شخصياته بأن هذه المدينة (مومباي) لم تحقق
لهم أحلامهم، ولم يجدو فيها الحب، لذلك قرروا في الأخير مغادرتها، لأن
المكان الذي لا نجد به حبا يحضننا لا يستحق بقاءنا فيه.
تاريخ نشر المقال أول مرة: 25/04/2010
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire