samedi 12 janvier 2019

خطط عشوائية و صحة مريضة

قد يكون حال الصحة بالجزائر و الدول العربية الأخرى أحسن من حالها بدول إفريقية و آسيوية كثيرة، لكنها أكيد ليست هي الوضعية السليمة التي يجب أن يكون عليها قطاع الصحة في مجتمعات عربية أغلبها ذات مداخيل نفطية مرتفعة.

من المفروض أن لا تكتظ المستشفيات الحكومية بطوابير المنتظرين شهورا و سنوات لساعة الفرج للدخول لقاعة عمليات قد يخرجون منها أحياء لكن معاقين، بسبب الأخطاء الطبية المتكررة و المقترفة في حق الكثير من المرضى الفقراء و من طرف أطباء موظفين أو مقيمين لا زالوا في طور الدراسة، و لم يجدوا أمامهم إلا أجساد الفقراء ليتعلموا عليها، و طبعا لا مجال لمواجهة المتسبب في الإعاقة و محاسبته، فهو محمي من قطاعه التابع له، و تتم معاقبته في حالة واحدة فقط، لما يسلط الإعلام المكتوب قلمه على ما حدث و يتكرر نشر الموضوع بما يشبه حملة عشوائية أو موجهة، فيتم تقديم المتسبب المباشر ككبش فداء لإسكات الإعلام و إرضاء الضحية، أمام باقي الأطراف المتسببة في الجريمة فلا حديث عنها أبدا.

و ضعية كهذه، تجعلنا نجزم بأن الصحة مريضة في أغلب مجتمعاتنا العربية، خاصة مع غياب المراكز الصحية الصغيرة بمختلف المناطق و التي من المفروض أنها تجعل المواطن يستغني بفضلها عن الذهاب إلى المستشفيات الكبيرة بالمدن، خاصة فيما يتعلق بمصالح الاستعجالات و التوليد، و ليست كل المدن تحضى بمستشفيات حقيقية، حيث تبقى وحدها المدن الرئيسية و الولايات الكبيرة  التي تتوفر على مستشفيات بها كل المصالح و الاختصاصات و الجراحين، هذا إن لم يكن الأمر متوفرا فقط بعاصمة الدولة.

و من جهة أخرى، وجود المستشفيات الخاصة لا يفي بالغرض في ظل ارتفاع تكاليف العلاج بها و غياب التخصصات الدقيقة التي تلزم المواطن بالسفر للخارج طلبا للعلاج و الشفاء.

كل هذا، إضافة إلى غياب الوعي الصحي لدى الأفراد، رغم تغير و تطور طريقة الحياة و توفر وسائل الإعلام و الاتصال، و التي تشارك في نشر وعي صحي تجاري سطحي، خاصة الفضائيات التلفزيونية، فهي تجعل المشاهد يعيش في هوس مخيف من كمية الحريرات التي يتناولها، و في رعب من السمنة و الدهون، فالتوعية في تلك القنوات تعني الحمية و القوام الرشيق المثالي الذي لا يتوفر إلا لعارضات الأزياء، و هذا يكون على حساب جوانب صحية كثيرة هي أولى بالاهتمام.

ربما الإذاعات المحلية تكون في برامجها أقرب إلى التوعية الصحية الحقيقية و التي تصل إلى المواطن البسيط و تكون أقرب إلى واقعه و يومياته.

كما أن غياب الوعي الصحي في ظل ازدياد الفجوة الصحية و نقص الأطباء المختصين يؤدي بالمواطن إلى اللجوء لأمور بديلة تكون في معظمها غير فعالة كالتداوي بالأعشاب و الطب النبوي، مع العلم أن الكثير من المسوقين لهذه البدائل ليسوا من المختصين و هم أقرب إلى الدجل و الشعوذة و ممارسة الغش و الضحك على ذقون الجاهلين.

و الدجل و الشعوذة و الطب البديل أسماء لظواهر تلبس منذ القدم عباءة الدين و قد أضافت له رداءا آخر و هو رداء التطور و التكنولوجيا، و أصبحت تصل إلى الناس بسهولة عبر الفضائيات و الانترنيت.

و ما يدعو للأسف وسط كل هذا، هو غياب خطط الرعاية الصحية الفعالة، و فشل الخطط المطبقة سابقا، و إلا كيف نفسر الوضعية المخجلة للصحة بالمجتمعات العربية؟

ألا يدل هذا على عشوائية التخطيط لقطاع الصحة؟ أو ربما غياب التخطيط أصلا.

لماذا لا يتم بناء مراكز صحية و مستوصفات بكل بلدية أو قرية و تكون تحتوي على الأقل على مصلحة للتوليد و مصلحة للاستعجالات؟

لماذا لا يتم تفعيل مصالح الطب الوقائي و النظافة بكل بلدية، ليصبح عملها جواريا حقيقيا مستمرا و قريبا جدا من حياة المواطن اليومية.

أين تذهب كل تلك الدفعات المتخرجة من أطباء مختصين؟ لماذا لا يتم بناء مستشفيات حكومية بكل ولاية، و تكون مشتملة على كل المصالح؟ و بالمقابل يتم تسهيل الترخيص للمستشفيات الخاصة مع ضبط و مراقبة نشاطها و أسعارها.

لماذا لا يتم وضع خطط لتدعيم صناعة الدواء محليا، لتوفير كمية أكبر و بتكلفة أقل.

و يجب أيضا إعادة النظر في الكثير من قوانين الحماية الاجتماعية ذات الصلة المباشرة بالجانب الصحي للفرد.

إن عودة ظهور أمراض الفقر و الأزمنة الغابرة في بعض الدول العربية مثل الطاعون و الكوليرا و التفوئيد و الجرب و القمل، أكبر دليل على غياب أي خطة رعاية صحية شاملة و حقيقية مطبقة، كيف تصل الأمور لتلك الدرجة من السوء في ظل وجود خطة رعاية صحية مطبقة على أرض الواقع؟

**تاريخ نشر المقال أول مرة: 04/11/2009 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire