أصدقاء
الواقع يفقدون مكانتهم، على الأقل في أيام الرخاء. لأننا في الأيام القاسية نعود
إليهم حتما.
لكن،
في أوقات السراء، أصدقاء العالم الافتراضي أكثر توهجا و جذبا من أصدقاء الواقع أو
الأصدقاء الذين نلتقي بهم و يلتقون بنا، و يكون تفاعلنا معهم مرئيا و مباشرا و
معاشا لحظة بلحظة و وجها لوجه.
أصدقاء
الحي و الدراسة و العمل و المدينة يفقدون مكانتهم في حياتنا الاجتماعية اليومية، و
أصبح وهجهم يبدو ضعيفا مقارنة بأصدقاء الانترنيت الذين يكون تألقهم كبيرا و وهجهم
مرتفعا و تحيط بهم هالة مضيئة تجعلنا مثل فراشات الليل ننجذب إليهم، و ذلك كله على
حساب أوقاتنا الثمينة التي يمكن قضاءها مع أسرنا و مع أصدقاء الواقع.
أنا
أيضا قد أملك توهجا كبيرا على صفحات الانترنيت لا يقابله توهج على أرض الواقع، و
الكثيرون مثلي طبعا، باستثناء المشاهير الذين تكون شهرتهم طاغية جدا.
ما
أسهل الحديث عن الأعمال الإنسانية على صفحات الشبكة العنكبوتية، و ما أصعبه و
أقساه على أرض الواقع لما نقرر الإخلاص مدى الحياة لتلك الأنشطة.
على
الانترنيت نكون كما نريد، نملك الطيبة و الكرم و التواضع و اللطف و نتحكم في الغضب
و نكظم الغيظ، و ننشر الصور التي نراها مناسبة فقط و التي تكون فيها
"فوتوجينيك".
على
الانترنيت نتبنى القضايا التي نشاء، و نروج لتلك القضايا كما نريد، و نتخذ المواقف
التي نراها مناسبة لصورتنا المتوهجة على صفحات الانترنيت.
قد
تكون هي نفسها القضايا التي نكافح من أجلها في الحياة الحقيقية، لكن الاختلاف يكون
في نوعية و درجة الاندفاع للقضية نفسها على النت و على أرض الواقع.
شجعان
الانترنيت قد لا يكونوا كذلك في المعارك الواقعية.
المطلوب
هو إحداث توازن بين حياة النت و حياة الواقع، و لا مجال للحديث عن مقاطعة
الانترنيت، و يطالب بذلك فقط من لا يزال يعاني من أمية رقمية، و لم يبحر في عالم
الانترنيت.
لكن
عدم التوازن في الأمر يجعلني أحزن فعلا على صديق حميم يقطن بنفس المدينة و لقاءاتي
معه لا تكون إلا على صفحات الفايس بوك أو الماسينجر.
هناك
المدمنون المتطرفون على النت، ممن جعلهم إدمانهم يفقدون أسرهم و عملهم، و هم
قليلون مقارنة بنا نحن المدمنون إدمانا خفيفا لا يتطلب طبيبا لكن يتطلب تعقلا
كبيرا منا و جهدا كبيرا لإحداث توازن بين أصدقاء النت و أصدقاء الواقع.
لا
أدري هل التسمية صحيحة أم لا؟ ربما أهل الاختصاص يمكن لهم إفادتنا بهذا، لكني رأيت
بأن أحسن تعبير عن هذه القضية هي تلك المصطلحات، أصدقاء النت و أصدقاء الواقع.
و
قد يتحول المنتمون للمصطلح الأول إلى الثاني و العكس صحيح. هناك أمثلة عن أصدقاء
كان الانترنيت سببا في تعارفهم و أصبحوا إخوة في السراء و الضراء رغم قلتهم، و قد
يحدث العكس كما سبق و ذكرت، صديق بنفس الحي نتواصل معه بالانترنيت.
الانترنيت
اليوم مثله مثل التلفزيون و الهاتف النقال، هل يمكن تصور حياتنا من دون كل تلك
الأجهزة؟
تاريخ نشر المقال أول مرة: 16/01/2010
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire