بعد موضة
جنون البقر و أنفلونزا الطيور و الخنازير، نحن الآن أمام موضة جديدة هي فيروس
الإيكولا، و لو أن كمية الترهيب منه لا تبدو بنفس الحجم الذي كانت عليه الأعوام
الماضية لما تعلق الأمر بالموضات السابقة من الأمراض المتداولة إعلاميا.
قد تزيد نسبة
التخويف في الإعلام، و قد تبقى على حالها، لكن المؤكد أننا أمام موجة خداع لتسويق
أدوية معينة بكميات هائلة من أجل علاج أمراض لا تستدعي الخوف الكبير منها.
و قد تصل
حملة الترهيب من تلك الأمراض لدرجة السعار، و قد تتمادى وسائل الإعلام في ذلك و لا
تجد داعيا للخجل من قلب جميع عادات و حياة الناس بما فيها الصحية و السليمة منها.
لو كانت
حملات الترويج لتلك الأمراض و الأدوية بريئة، لما توقفت بعد عام من حملاتها الترريجية،
فالأمراض الحقيقة لا تختفي بمجرد زيادة أرباح شركات الأدوية، فالأنفلونزا الموسمية
لم تختفي منذ ظهورها و لن تختفي حتى تنتهي الحياة على هذه الأرض، و عدد ضحاياها
أكبر بكثير من ضحايا أنفلونزا الطيور و الخنازير، إن كانت فعلا توجد أنفلونزا
حقيقية بهذين الإسمين، كما أن الكوليرا و التيفوئيد و الملاريا أمراض بدائية لكنها
موجودة بيننا دائما و نقصت نسبة انتشارها لكنها لم تختفي نهائيا لأنها أمراض
حقيقية، و رغم أنها أمراض موجودة فعلا على أرض الواقع و ضحاياها من سكان المناطق
الفقيرة بالمئات و الآلاف إلا أنها لا تلقى الرعاية و الترويج الذي تلقاه تلك
الأمراض الجديدة التي تدر ذهبا على من يصنع اللقاحات الخاصة بها.
و يا ليتها
كانت لقاحات مفيدة أو على الأقل غير مغشوشة، ففي العام الماضي بالجزائر تم استيراد
كمية هائلة من لقاح رخيص الثمن ذهب ضحيته بعض المرضى و لم تتمكن وزارة الصحة من
إقناع المواطنين باستخدامه، و كانت شبه فضيحة للوزارة و الحكومة لكنها مرت بسلام
كأغلب فضائح الحكومات العربية.
هذا العام
يريدون تحريم أكل الخيار و الخس و الطماطم على الناس، أتمنى أن لا نصل الأعوام
القادمة لفيروسات تصيب أطعمة الفقراء الرئيسية مثل القمح و الأرز و البطاطا، و لا
أدري هل الإيكولا هي آخر حلقات الأمراض الوهمية أم لا تزال هناك حلقات أخرى طويلة،
لنصبح عندها أمام مسلسل مكسيكي طويل تجني منه شركات الأدوية و الإعلام الملايين.
اللافت
للانتباه أنه بمجرد مرور عام على ظهور المرض تختفي بشكل شبه نهائي موجة الحديث عنه
و كأنه لم يكن له وجود أبدا، صدق من قال أننا أمام موجة استحمار لأغلبية سكان
الأرض من طرف شريحة صغيرة من التجار الجشعين.
كما تجدر
الإشارة إلى أن وسائل الإعلام تتأثر ببعضها البعض لما يتعلق الأمر بحملة مدروسة
للترويج لمرض جديد، فتتورط باقي المؤسسات الإعلامية التي لا علاقة لها بالترويج
سوى أنها يجب أن تواكب الأخبار الجديدة و تتماشى مع ما يريد المتلقي أن يجده فيها عن
موضوع الساعة.
و ما يزيد من
تبعية وسائل الإعلام العربية و الموجودة بدول العالم الثالث في تناولها لهذا
الموضوع هو عدم توفر هذه الدول على مؤسسات أدوية كثيرة و قوية و مستقلة، فهي إما
تعاني من نقص كبير في تلك الشركات، أو أنها تضم على قطرها فروعا لشركات عالمية
متورطة في اللعبة الخاصة بالأمراض الجديدة، و حتى إن كانت شركات لا علاقة لها
باللعبة فهي ليست قوية لدرجة ابتكار لقاح جديد لمرض جديد لم يعرف سابقا أو مرض
وهمي لا وجود له.
لذلك فالدول النامية
مجبرة على استيراد تلك اللقاحات عن قناعة أو حتى و هي مجبرة أمام الخوف المرضي
الذي ينشأ لدى شعوبها بسبب الترويج المسعور المتواصل للترهيب من تلك الامراض
الجديدة، فتذهب الملايين إلى جيوب و حسابات تلك الشركات كل عام في لعبة أصبحت
مكشوفة لكن الكل يشارك في اللعب فيها حتى المواطن الذي يمشي وراء خوفه من المرض
القادم.
تاريخ نشر المقال أول مرة: 25/06/2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire