كل
مجال أو نظرية أو تنظيم في الحياة، فيه
نماذج سيئة تسيء إليه و تمنحه معنى مختلف تماما عن الذي يجب أن يكون عليه، و تأخذه
تلك النماذج بعيدا عن المبادئ الأساسية التي نشأ عليها و من أجلها.
الأمر
نفسه يحصل مع العلمانية، و حصل من قبل و لا زال مع التيارات الإسلامية التي شوه
أصحابها الإسلام بما فيه الكفاية.
العلمانية أيضا لقيت من التشويه و من الحياد عن مبادئها
ما يجعلها في نظر عامة الناس مرادفا للعربدة و التصعلك و المشاعية الجنسية، و
أحيانا كثيرة مرادفة للكفر نفسه.
ليس
دفاعا عن العلمانية، فلها مفكروها و منظروها و هم أجدر و أقدر على الدفاع عنها،
لكن من الظلم أن نجد كل من يريد معاقرة الخمر و الغرق في المتعة الجنسية مع
العاهرات يدعي العلمانية و ينادي بها، تماما مثلما نجد الفاشلين و المعقدين نفسيا
يتجهون للتيارات الدينية للاحتماء بها و إخفاء فشلهم و ممارسة انطواءهم باسم
الدين.
أعرف
أشخاصا يحسبون أنفسهم من النخبة و الطبقة المثقفة، و يصنفون أنفسهم كعلمانيين، لكن
علمانيتهم يمارسونها فقط داخل الحانات و بيوت الدعارة، و بعضهم لا يفرق في متعته
الجسدية بين الذكر و الأنثى و الصغير و الكبير، أما عند النقاش معهم، فهم أكثر
احتكارا للفكر و الحقيقة من الإسلاميين المتطرفين، و يمارسون على معارضهم إرهابا
فكريا يجعلك ترى نفسك أكبر رجعي على وجه الأرض.
بعضهم
وجد راحته في علمانيته لكي يرتاح من كل التكاليف التي يفرضها عليه دينه أو تمليها
عليه تقاليده و عاداته، و كيف يؤمن بالعلمانية من لا يؤمن بحرية الفكر و الاعتقاد،
و يرى الحقيقة من زاويته الضيقة فقط، و يرفض الحوار و يبتعد عن التسامح و يغلق باب
الأفكار الأخرى.
بعضهم
وجد راحته في علمانيته لكي يستمر في أفكار مستعمره، و العلمانية لا تعني أبدا
الفرونكوفونية، و لا تتطلب أبدا تمجيد فرنسا أو أمريكا، كما أن تطبيق العلمانية
يختلف من دولة لأخرى، و تجارب الدول المختلفة يثبت هذا.
ما
المانع من أن يكون الفرد علمانيا عفيفا متخلقا عابدا لربه، و في نفس الوقت منفتحا
على العالم و على الأفكار و الديانات الأخرى، من دون انصهار أو إقصاء، أم أن العلمانية
تلغي العفة؟ أو التدين يلغي التسامح و يغلق العقل؟
بعض
المثقفين المحسوبين على تيار العلمانية يتعمدون في كتاباتهم التشبه بأبي نواس سواء
في شعرهم أو نثرهم، و كأن الإبداع لا يكون إلا بوصف تفاصيل جسد المرأة أو تسمية
عورات الإنسان و استخدام لغة المراحيض.
لست
أطالب بإقصاء و قمع المبدعين، و موقفي ليس دعما للرقابة الفكرية، لكن من الظلم أن
تكون أغلب لغة المحسوبين على العلمانية هي فقط مجون و جنس و خمر، و من المؤسف أن
يكون خطابهم مركزا فقط على غرائز الجسم، و إن كانت هي غرائز حقيقية و موجودة لدى
كل إنسان.
هل
كل ما هو موجود في الحياة يجب أن نكتب عنه و نصفه؟ و بأي طريقة يكون الوصف؟ و لمن
يوجه ذلك الإبداع؟
ربما
هذا موضوع آخر لا يتسع المجال له الآن.
العلمانية
قبل كل شيء هي عدل و حرية اعتقاد، و ليست عشوائية في ممارسة الرذائل و ذريعة
للابتعاد عن الأخلاق و الفضيلة.
تاريخ نشر المقال أول مرة: 27/12/2009
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire