في
بداية مقالي هذا تتبادر إلى ذهني فورا العبارة المصرية التي قيلت في مسرحية
"شاهد ما شافش حاجة" و هي تنطبق إلى حد بعيد على السلطة الجزائرية التي
تعتبر و بجدارة "متعودة دايما" على تدجين الشعب و ابتكار أساليب مختلفة
و جديدة للتدجين و لامتصاص الغضب أكثر من أي دولة عربية أخرى، فالنظام الجزائري
يتفوق في هذا الجانب على كل نظراءه الظالمين لشعوبهم.
و
لا مانع عندي من بداية مقالي بمثل مصري مقتبس من مسرحية مصرية، ففي الوقت الحالي
غيّر الجميع النغمة و تخلوا عن عقدة مصر و أصبح من المسموح مشاهدة الفن المصري و
الحديث عن دولة اسمها مصر، بينما في العام الماضي و بسبب الوطنية الزائفة من
الطرفين، وقع ما وقع من فتنة كروية، ففوت النظام المصري فرصة التوريث بينما نجح
نظيره الجزائري في حقن المخدر الكروي و ضمان الهدوء لعام على الأقل....
زال
مفعول المخدر الآن، و زال سعار الكرة و فقدت أخبار الفريق الوطني تلك الهالة و
الكاريزما التي كانت تحيط بها، و تحول نظر الشعب نحو ما حصل في تونس و مصر و ما
يحصل في اليمن و ليبيا و البحرين، فكان ابتكار طرق جديدة للتخدير بمثابة واجب و
فرض على السلطة الجزائرية لكي تستمر متفوقة على مثيلاتها في تخدير الشعب و صرف
نظره عن ما يجب أن يتغير.
و
قبل سقوط الرئيسين التونسي و المصري، كانت بالجزائر قد قامت أعمال احتجاج ميزها
التخريب و الفوضى وسماها البعض باحتجاجات الزيت و السكر، و خلالها باشر النظام
الجزائري فورا و بفضل الخزائن التي تفيض من الخيرات إلى تخفيض الأسعار بدون إيجاد
حل حقيقي و منطقي للمشكل، من له الحق في استيراد الزيت و السكر، و من له الحق في
إنتاجهما، و من يحدد الأسعار؟
لكن
مشكل الشباب الجزائري ليس مجرد زيت و سكر، و لامتصاص الغضب و تدارك الوضع قبل أن
ينفجر، بدت الحكومة الجزائرية و كأنها في سباق مع الزمن و حطمت الرقم القياسي في
إطلاق الوعود بقتل البطالة و امتصاصها و شفطها كما تشفط الدهون من المرأة
البدينة....
سارع
الوزراء إلى إطلاق الوعود بتغييرات قادمة في قوانين تقضي على البطالة و تجعل من
الجزائر جنة العمل المنتظرة، و أمروا المدراء المحليين و رؤساء البلديات بأن
يمتصوا غضب الشارع و يقبلوا بأن يكونوا الإسفنجة التي تمارس الامتصاص و يقبلوا كل
مظاهر الغضب و الشتم من المواطنين بكل صدر رحب، و ما شهدته بلديتي منذ أيام مثال
مصغر عن ما يحدث في الجزائر، مدير التشغيل يستقبل المواطنين في مكان عام و يقبل من
الجميع الإهانات و المعايرات، و هو الذي كان يرفض حتى الكلام الطيب منهم.
هم
مأمورون لكي يكونوا كباش الفداء من أجل استمرار النظام و تفادي الوضع الحاصل في
باقي الدول العربية.
الحوار
بين المواطن و المسؤول هو مطلب نبيل و مشروع، لكن ليس على طريقة المسرحيات التي
يجيد النظام التخطيط لها و تأليفها، تحاوروا معنا لكي تساعدوننا فعلا و ليس لكي
تضمنوا استمرار النظام، و اجعلوا الحوار سنة مؤكدة في عملكم و ليس مظهرا مزيفا و
مؤقتا لتجاوز هذه الفترة، من حق كل مواطن استقبال المسؤول المحلي، و لا يحتاج
المواطن لتهديدكم بعود كبريت و إناء البنزين لكي تتنازلوا له و تتحاورون معه.
وسيلة
أخرى استخدمها النظام الجزائري لتفادي نموذج تونس و مصر، و هي السماح للجميع بأن
يقوم بما عجز البوعزيزي عن القيام به، البيع في الطريق بدون مانع أو حاجز، و في أي
مكان حتى على طريق السيارات، أصبح الأمر فوضى و كأن الشعب فعلا يفعل ما يشاء، هكذا
يتوهم الشباب الذي وجد نفسه منذ أكثر من شهر قادرا على بيع أي شيء و في أي مكان
يريد.
و
استخدم كذلك نظام التدجين الإلغاء المؤقت للمخالفات المرورية و لقانون المرور
تفاديا لصدام الشرطة مع الشعب، حيث أصبح الوضع في الطريق أحيانا و كأننا في أفلام
المغامرات الأمريكية، أين يسمح للبطل أن يسوق سيارته كما يشاء.
لكن،
إلى متى يستمر هذا الوضع؟؟؟
من
المستحيل أن تقضي الدولة على البطالة فقط بفتح خزائنها و تدعيم برامج تشغيل
الشباب، الأمر يحتاج لتخطيط واعي و لإشراك الخواص أيضا و فتح باب الاستثمار النزيه
بدون أن يضطر المستثمر مرغما لقبول الجنرال الفلاني أو الوزير العلاني كشريك في
أرباح استثماره.
كما
أن الأسواق العشوائية ليست هي الحل، و لا إلغاء قانون المرور أيضا، و لا يمكن
إرضاء الشعب على حساب نزع الهيبة عن الشرطة، و هذه الأخيرة فقدت هيبتها منذ قدوم
بوتفليقة إلى الحكم، أصبحت السجون أكثر رفاهية من المستشفيات، فقدت الشرطة هيبتها
يوم بدأ بوتفليقة يحلم بجائزة نوبل للسلام و تساهل مع كل اللصوص و المجرمين على
حساب الشرطة و على حساب المواطن الصالح نفسه.
كما
أننا بدأنا نسمع في الفترة الأخيرة عودة أخبار الإرهاب، و هي أهم وسيلة للتدجين و
التخدير استخدمها النظام الجزائري لصرف نظر المواطن عن ما يجب أن يراه فعلا و
يطالب به.
تاريخ نشر المقال أول مرة: 18/02/2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire