الدين
أفيون الشعوب، الرياضة أفيون الشعوب، أو الفن أفيون الشعوب، أيا كانت الإجابة
الصحيحة، و سواء كانت كلها خاطئة كما أعتقد، إلا أني متأكد من أن الإعلام هو ناشر
الأفيون و المروج الرئيسي له بين الشعوب، أو بالأحرى هو الذي يجعل كل تلك العناصر
الأساسية لحياة الإنسان تتحول إلى مخدر يتحكم في حياته و يغير مسار علاقاته مع
بيئته و مع نفسه.
ما
حدث الأيام الماضية و يحدث هذه الأيام بسبب مباراة الجزائر و مصر الحاسمة، يؤكد
جيدا أن الإعلام الفضائي قادر على تغيير
سير الأحداث و تحويل مواقف الشعوب اتجاه قضايا عديدة تافهة و جوهرية، و قادر على
تقزيم قضايا هامة و تقديم الأولوية لقضايا عادية و جعلها بمثابة الهواء الذي
يتنفسه الناس و لو لمدة زمنية قصيرة و مؤقتة.
و
هذا ما فعلته تماما بعض قنوات الإعلام الفضائي المصري و بعض الصحف الجزائرية،
تلاعبت كثيرا بالحقائق و أعطتها أكثر من حجمها الطبيعي و تاجرت بأخبار المباراة و
تحاليل المختصين حولها، و تسببت في استفزاز كبير جدا للجماهير و مناصري كلا
البلدين، و أصبح الأمر بمثابة فتنة، لا أدري هل هي مؤقتة لمجرد مرور المباراة أم
تتعدى ذلك بوقت طويل؟
أصبحت
بعض الفضائيات و الجرائد شبيهة ببعض منتديات الانترنيت الرخيصة التي تفتح الباب
لكل من هب و دب للإدلاء برأيه دون مراعاة لما قد تسببه تلك الآراء من أثر شديد
الضرر.
كرة
القدم بسبب تلك المنابر الإعلامية التجارية أصبحت و بجدارة هي الأفيون الحقيقي
للشعوب، و قد رأينا من قبل و نرى لحد الآن كيف كان الدين أفيونا للشعوب بسبب وسائل
إعلامية متطرفة تتحمل ذنب كل قطرة دم أريقت باسم الدين.
و
كذلك هو الفن لما تتكفل بتغطية أخباره و كواليسه مقاولات تجارية تلبس عباءة
الصحافة و الإعلام.
سوف
تمر مباراة الجزائر و مصر، و نبقى في انتظار أفيون آخر يروج له إعلامنا لتخديرنا
من جديد، و كأننا كالقطيع نساق حيث يشاء الإعلام أو الساسة، و الشعوب لما تصاب
بالسعار تصبح جاهزة لعمل أي شيء.
ربما
أكثر الناس معرفة لخطر الإعلام على صناعة الرأي و تغيير الأفكار و توجيهها هم حكام
الجزائر و مسؤوليها، فهم يرفضون لحد الآن فتح الباب أمام الإعلام المرئي الخاص،
لعلمهم المسبق بتأثيره الكبير و الفوري على عقول و أفعال الشعوب، لكنهم بالمقابل
لا يمكن لهم الوقوف أمام ما تستقبله عيون و عقول المشاهد الجزائري من الفضائيات و
مواقع النت، فكانت النتيجة أن أصيب مناصرونا بالسعار كما أصيب به مناصروا الفريق
المصري، ربما وقت الإصابة كان متزامنا بحكم التأثير الفوري للإعلام الحالي.
تاريخ نشر المقال أول مرة: 12/11/2009
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire