سنة 2013، تم
إنتاج أنطولوجيا هندية، عنوانها بومباي تولكيس، متكونة من أربع قصص منفصلة، لأربع
مخرجين، كاران جوهر، بيباكار بانيرجي، زويا أختر، أنوراج باشياب، وهم من كتبوا قصص
الفيلم رفقة كاتبة أخرى هي ريمة كاغتي، بينما الإنتاج كان لعدة شركات سينمائية
هندية أهمها Flying Unicorn.
و الفيلم هو
أول تجربة في الإخراج المشترك للأنطولوجيا بين هؤلاء المخرجين الأربعة، وقد تم
عرضه في مهرجان كان لسنة 2013، خارج إطار المنافسة الرسمية، كما أعاد نفس فريق
العمل التجربة سنة 2018 مع فيلم Lust Stories، مع نفس الشركة
وبتورزيع من نتفليكس، وسنة 2020 كرروا العمل لثالث مرة في أنطولوجيا مكونة من أربع
أفلام رعب عنوانها Ghost Stories، وكذلك كانت مع نفس
الشركة و التوزيع أيضا لنفس المنصة.
بغض النظر عن
الإيرادات المادية لكل فيلم، يبدو أن فريق العمل هذا، لديهم بصمة مميزة، ولمسة
احترافية في صنع الأنطولوجيا في بوليود، وكل واحد
منهم، لديه تجارب متنوعة في مشواره المهني، ما بين الإخراج، والإنتاج، وكتابة
السيناريو وتأليف قصص الأفلام.
لذلك، كانت
تجربتهم الأولى، في فيلم بومباي تولكيس، لافتة جدا، وبدت لي وكأن لمسة كاران جوهر،
جوكر بوليود كما أفضل تسميته، طغت على بقية زملائه في قصصهم التي أخرجوها، لأنه
الأكثر خبرة والأقدم في الميدان، والأغنى من حيث القدرة على السيطرة على عالم
بوليود وقصصه، وما يدور فيه، وما يجب أن يكون فيه، وهي تهمة لصيقة بكاران جوهر،
السيطرة والاحتكار، تماما مثل تهمة المثلية الجنسية.
وبالفعل، هذه
الأنطولوجيا، طرحت قضية المثلية الجنسية، في قصتين، الأولى من إخراج كاران جوهر
نفسه، عنوانها Ajeeb Dastaan Hai Yeh، هي عن شاب مثلي
الجنس، ينفصل عن عائلته التي لم تتقبل ميوله، ويبدأ حياة جديدة في عمل جديد،
بجريدة فنية تكتب عن سينما بوليود، ويدخل حياة رئيسته في العمل (راني موخرجي)
ويتعرف على زوجها مقدم البرامج التلفزيونية، ويتورط معه فيما يشبه بداية علاقة
مثلية، لكنها تتوقف في أولها، بسبب رفض الزوج لحقيقته ومثليته، وينفصل عن زوجته،
التي تعاني دائما من عدم الإشباع الجنسي، وهي الفاتنة التي يغازلها الجميع ويطمع
في رضاها.
مشاهد هذه
القصة لم تكن صادمة كثيرا، بقدر الأفكار في حد ذاتها، بإستثناء قبلة واحدة بين
البطلين (الشاب وزوج راني موخرجي).
في القصة
أيضا، تكريس لفكرة، أن الصداقة بين الرجل المثلي والمرأة، قد تكون أفضل أحيانا من
صداقة المرأة مع إمرأة أخرى.
القصة
الثانية، كانت من إخراج Dibakar Banerjee بعنوان Star، وطرحت مشكل الأحياء
الشعبية، والعمارات المكتظة بالسكنات الجماعية، عن رب أسرة فقيرة، ابنته معاقة
حركيا، يحكي لها كل يوم عن فيلم بوليوودي معين، يجد نفسه صدفة كومبارس في فيلم مع
النجم رانبير كابور، في إحدى شوارع مدينة مومباي (بومباي)، ويحكي لابنته عن تجربته
بمجرد عودته في الليل، الفكرة بسيطة، لكن إنجازها كان مؤلما ومفرحا في نفس الوقت.
القصة الثالثة،
عنوانها Sheila Ki Jawaani، من إخراج زويا أختر،
تحكي عن طفل صغير، لديه ميول مثلية، معجب بالنجمة كاترينا كييف، وبالضبط، في دورها
شيلا، ورقصتها المشهورة في استعراض يحمل نفس عنوان القصة Sheila Ki Jawaani.
الطفل يواجه صدمة
والدته ومعارضة والده الذي يضربه، بينما تدعمه أخته الأكبر منه، التي تحلم أن تكون
رحالة جوالة، القصة عن أحلام الأطفال الصغار، التي قد لا تنسجم مع جنسهم، أو مع ما
يجب أن يحلموا به بناء على ما هو منتظر منهم، حيث يكون هناك تعارض بين شكل الجسم
وأعضائه، وبين الهوية الجنسية أو الجندرية، وما بين أحلام الطفل، وهو موضوع مثير
جدا للجدل، بين ترك حرية الاختيار للطفل، أو إجباره على اتباع تعديل ميوله مع
أعضائه الجنسية.
وما أراه أنا
في حذ ذاته تعديا على حقوق الطفل، هو كيف يتم إشراك طفل صغير في تمثيل دور مثل هذا؟ وهو دور خطير، حتى لو لم
يؤثر على نفسية الطفل الممثل، قد يجلب له الكثير من التنمر في حياته الخاصة و
مدرسته ومحيطه.
و نفس الخطأ،
تم تكراره في فيلم كونكونا سن شارما، المعنون بـ دوللي كيتي سنة 2020.
القصة
الرابعة، عنوانها Murabba، ومعناها مثل العربية تماما،
مربى، من إخراج Anurag Kashyap، وهي قصة بسيطة، مثل
القصة الثانية، لكن فكرتها قوية وعميقة، وإنجازها كان متخما بآلام الفقراء،
ويومياتهم القاسية، عن شاب يريد تحقيق حلم والده الذي يحتضر، والذي يطلب منه توصيل
علبة مربى للممثل الكبير أميتاب باتشان، لكي يتذوقها ويأخذ بركته.
وفي الهند
طلب مقابلة أميتاب باتشان، أصعب من طلب الصعود للقمر، لأنه ممثل بمرتبة إله
هندوسي.
و كأن القصة
الرابعة هذه، هي تسليط للضوء، على الجماهير المغلوبة على أمرها، والتي كانت السبب
في صنع مجد بوليود، بحثا عن الفرح المفقود في الواقع.
كل هذه القصص
الأربعة، هي أفلام قصيرة، تجعل المشاهد يفكر، ويحلل النهاية على طريقته، لأن نهاية
كل قصة تقريبا، هي مزيج بين أمل وألم، وإحباط وانتظار.
هو فيلم عن
مومباي، المدينة الصاخبة، عاصمة الصناعة السينمائية الشهيرة، وعن الجوانب غير
الظاهرة بهذه المدينة، في القصة الأولى، تظهر طفلة صغيرة متسولة على إحدى جسور
المدينة، تؤدي أغان سينمائية قديمة بصوت طفولي ناعم، استجداء لعطف الناس
ومساعدتهم، والموسيقى التصويرية في الفيلم كله، كانت تقريبا عبارة عن أغان قديمة
ومعروفة، أوموسيقى مستلهمة من تلك الأفلام القديمة،ولا يوجد استعراض بالفيلم،
باسثتناء الإستعراض الأخير الذي استخدم كجينريك النهاية، يظهر فيه عدد كبير من
نجوم بوليود، كضيوف شرف، للرقص في الاستعراض الذي يحمل نفس عنوان الفيلم، وأغاني
الاستعراض،هي روميكس لأغاني هندية شهيرة، منذ سينما الأبيض والأسود لغاية يومنا هذا،
والأداء كان لعدد من أشهر نجوم البلاي باك ببوليود.
و قبل بداية
الاستعراض، يظهر شاب هندي جالس لوحده في صالة سينما فارغة، ليبدأ بث الاستعراض
بعدها، وهو ما أراه تكريما لنجوم بوليود ولجمهور هذه الصناعة السينمائية التي بدأت
منذ أكثر من مئة سنة، وهي السينما التي كانت حاضرة بطريقة أو أخرى في مواضيع القصص
الأربعة، ولو لم تكن هي محور كل القصص.
تاريخ النشر أول مرة: جريدة الدستور العراقية/ 16 جوان 2022/ العدد: 5301
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire